Sunday, October 28, 2007

شعر:عازف البيانو الأعمي في ميدان فورست

عازف البيانو الأعمى في ميدان فورست
أو
ظل بلا أثر

اللاجئون الجدد هم أكثر الغرباء تيهاً /كائنات حائرة تتوسط الما بين/ يقفون علي حافات البكاء بلا دموع في اعينهم حنين راعف للمستحيل وتوق حارق للخلود/ هل تكفي الابدية لتعويضهم زهر سنواتهم المسروقة وغدهم الغامض؟؟؟؟؟؟؟!
بنصف ذاكرة يعيشون/
نصف هنا/
والآخر هناك في بلاد بعيدة/
دائماً يرتدون ملابساً لا تلائم الطقس/ بشغف من يريد ان يغيير العالم يتابعون بنهم كل نشرات الأخبار العالمية/ ثانية بثانية تذبحهم عناوينها الدامية / فلا ينتبهون لأحوال النشرة الجوية فيبللهم المطر/ فيهيمون في الطرقات مرتجفين مثل طيور يتيمة/ يحاصرهم إرتباك شائك وبعض حرج/ يصبون لعنات خرساء علي السماء الغريبة التي تمطر بلا بروق أو سحب داكنة/ ويعودون بنصف ذاكرتهم لإجترار لعنات أزمان دائرية اقتلعتهم فجأة من تحت سماء يطمئنون لها ويعرفون كل
تحولاتها كاصابعهم المعروقة/ ..

ذاك المارد الاسمر سليل آلهة النيل العظيم/ حقا إنه إبن جدته العرافة وبخورها المعطر وذاكرتها البدائية/ يعرف الأماكن بروائحها/ ويشم تعب الآخرين عندما يعبرون من أمامه/ عندما تحدثه حبيبتة الشقراء عن فاكهة لا يعرفها لا يتخيلها إلا استوئية/ واذا حدثته عن تنورة جميلة اعجبتها لا يتصورها إلا مشجرة مثل روحها التي يتوكأ عليها في بلادها الغريبة/
ويل للغريب بلا حبيبة /
الغريب لا يصادق إلا أرواحاً غريبة/
/ يري باذنه/
ويسمع بعينه /
يتخيل الاشياء بنصف ذاكرة ويسمعها كما يحب لها ان تكون في ابجديته الجديدة التي لا يعرف جيداً رسم حروفها وتتشابهه عليه الأصوات فيها/ عندما لوحت له بيدها اليسري مودعة وقالت له:
نلتقي يوم الجمعة الساعة الثالثة مساء في ميدان "فورست" بوسط المدينة/ تخيل الغريب بذاكرته الاستوائية أنه سوف يعانقها في ميدان وارفٍ أكثر من قلب أمه!! لكنه في ضحي الجمعة وجده صحراء موحشة مع بعض التحسينات الخرصانية تنبت من بلاط صخري قديم / وعندما قرأ تلك اللافتة
(Forrest Place)
تبخرت من ذاكرتة آخر واحة في امنياته ان يجد بعض أخضرار في ميدان السيد فورست أو دوحة لهما / اصطادته نغمات كانت تتصاعد في ذاك البوار من اصابع عازف بيانو أعمى في حلة سوداء كأنة قادمٌ للتو من
العصر الفكتوري، كان يُنغم
(The Lonely Shepherd)
لم ينتبه المتعجلون بخطواتهم الراكضة امامه لتلك الارواح المستوحشة التي تبكي بقلبه ثم تخرج من بين اصابعه وتهيم في الفضاء، لم ينتبه أحد منهم أن يرمي قطعة عملة معدنية صغيرة في قبعته السوداء المهترية الممدودة امامه كقدم فيل رضيع محروقة/ بل تعالت صراخات مراهقين صاخبين يعبرون تلونت روؤسهم مثل اعراف الديوك وقهقهوا كثيراً وهم يشيرون باصابع فاحشة ويعرون موخراتهم ويضربون عليها بكف واحد ثلاثة مرات أمام عينيه اللتين كانتا تحدقان في سواد
الكون وتريان صلصالاً يتناسل أقماراً ذهبية/
علي ناصيه ميدان السيد فورست كتمثال روماني قديم كان يقف أحد محترفي التمثيل الصامت متلوناً بالفضة من ظفره إلي شعره يدير وجهه كلعبة اكترونية باتجاه من يرمي له قطعة عملة فضية ويبتسم/ وعلي الناصية الأخري حاوٍ يبتلع سيفاً/ وآخر يتلفع بافعى ذات الوان براقة/ وبائع بلونات في هئية حيوانات أليفة يتوسط المكان / عشاق بمرح يتخاصرون ويبتسمون برضا من يملك الأرض والفضاء / في تلك اللحظات
عازف البيانو الأعمي كان يعزف أحد مفضلات الغريب
(If I Were a Rich Man)
فينجلي بعض من سخام الصدى بروحه فيرى أمامه غجريات مزركشات كحلم صبي يعبرن بصخب بلا خيام / طفلة تتشبث باصبع امها الهائمة في عوالمها وتلح كي تشتري لها آيسكريماً/ حلقة صغيرة حول رسام يعطيك ملامحك بدقة فوتوغرافية في خمس دقائق/ من وشم لاعب كمال الاجسام يطل لسان تنين يكاد ان يلتهم من يقف قرب كتفه/ صبية تعبر نصف عارية كأنها في مسابقة عالمية للفوز بملكة عدد الحلقات المعدنية التي تتدلي با حجام مختلفة من انفها وقرب حاجبها الايسر وفي أُذنيها وفي منتصف شفتها العليا وفي لسانها وأخري بحجم كبير علي سُرتها/ عازف كمان كوري يثرب نحيب ملائكة معذبة تريد الانعتاق / بملامح وديعة سرب من الاسويين الضامرين الطيبين يتلفعون بثياب برتقالية اللون يمرون بخطوات هادية كأنهم في صلاة بوذية لا تنتهي / خلفهم يسير حافياً كنبي مبنوذ عجوزٌ من السكان الاصليين لأستراليا يشم الغريب اوجاع روحه المتشظية ولظي احتراق قلبه/ ويري رجليه الحافيتن تعانقا اوتاد اسلافه في باطن الأرض وآلالام اجيال مسروقة تطل من عينيه اللتين تحجر الدمع فيهما علي
حافات صراخ كظيم/

ينتبه الغريب انها الساعة الخامسة مساء!!!!!
ونصف ذاكرته نسيت انتظاره لحبيبته الشقراء / وصارت تتفرع مثل لبلاب تطارد مقطوعات "شوبان" السريعة التي جعلت عازف البيانو الأعمى فجأة ملك الميدان ضابطاً لإيقاع الخارجين من نهارات العمل الطويل/ مسرعون كالناجين من الطاعون يوفون نذورهم بوضع عملات صغيرة في قبعته/ قلبه يجادل "شوبان" في سماواته البعيدة واذنه تتحسس برهافة فقيرة هل هذه رنة لعملة فضية أم ذهبية؟! تلك الخشخشة لفئة الخمس أم العشرة دولار؟ الغريب يتحسس جيبه فتطل من محفظة نقودة الجلدية صورة حبيبته الشقراء فيتذكر بنصف ذاكرته المثقوبة التي حلقت إلي ما فوق قوس قزح انها لم
تات!!!!
في أول الليل سار الغريب وحيداً مبللاً بالغياب مثل ظل بلا أثر لطيور يتيمة //.

10/4/07
بيرث